Top Main Menu
Loading...
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، تنحى من فضلك

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، تنحى من فضلك

مرة أخرى إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية...

عزيزي السيد/ كريم خان...

صباح الخير مرة أخرى يا سيدي، ولكن اعذرني فهذه المرة لستُ في مزاج يسمح لي بأن أتمنى لك فطوراً هانئاً أو أي من هذه المجاملات الفارغة، فقد شهدت للتو كما الملايين غيري حول العالم الأشلاء المتطايرة والجثث المتراكمة من مجزرة أخرى ارتكبتها قوات الدفاع الإسرائيلي بقيادة يواف جالانت بسلطة من بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، مجزرة أخرى راح ضحيتها أكثر من 40 مدنياً حتى لحظة كتابة هذه الرسالة، كل ذنبهم أنهم كانوا مجتمعين بانتظار استلام المساعدات الإنسانية التي هم بأمس حاجة لها لمجرد أن يصمدوا بضعة أيام أخرى على قيد الحياة، هم وأطفالهم وأفراد عائلاتهم. ومع ذلك لم ترحم آلة الغدر الإسرائيلي صغيراً فيهم أو كبيراً وأطلقت طائرات الأباشتي المروحية أسلحتها الرشاشة لتحصد أرواحهم دون أي مبرر، ودون حتى احترام لقدسية شهر رمضان، بل ودون أدنى احترام لأبسط القوانين الإنسانية التي يفترض أنكم المدافع الأول عنها والناطق باسم كل ضحية لمخالفتها.

سيدي... في رسالتي السابقة إليكم بتاريخ 3 مارس 2024 ناشدتك أن تتخذ إجراءً لحماية أطفال غزة البريئة، ولكن وحتى هذه اللحظة ما يزال ضجيج الصمت هو كل ما نسمعه منكم، رغم أنها قد أصبحث على ما يبدو في الفترة الأخيرة عادة لمجرمي جيش الدفاع الإسرائيلي أن يغتالوا الأبرياء أثناء اصطفافهم للحصول على ما يقيم عودهم في ظل حصار مشدد واستخدام لسلاح التجويع ضد أكثر من مليوني مدني من أبناء قطاع غزة.

لن أطيل عليك هذه المرة يا سيدي وسأقول لك ما عندي باقصى اختصار ممكن... إن صمتك يُعدُّ تواطؤاً مع هؤلاء المجرمين وإقراراً لفعلهم وحماية لهم من مواجهة العواقب القانونية لفظائع أعمالهم.

فإن كانت مشكلتكم هي عدم كفاءة المحققين في مكتبكم وعدم قدرتهم بعدُ على استيعاب حقيقة أن قوات الدفاع الإسرائيلي ترتكب جرائم حرب يندى لها الجبين وتنفذ مخطط إبادة جماعية، فإن شهادات منظمات المتحدة ومنظمة الصحة العالمية قد تساعدكم على إدراك هذه الحقيقة أخيراً. أما إن كانت لديك مشكلة في تصديق الأمم المتحدة، فلا بأس، يمكنني أن اقترح عليك هنا كبداية أن تلقي نظرة على أرشيف قناة الجزيرة وصحيفة الميدل إيست آي... أم أنه فجأة صارت لديكم مشكلة ثقة في تقارير وسائل الإعلام الرئيسية كما كانت دوماً لدي نفس المشكلة... لا بأس مرة أخرى، يمكنك أن تتصفح أرشيف المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الإنسان...

لماذا أشعر أن أعراض الحساسية بدأت تظهر عليكم لمجرد ذكر منظمات حقوق الإنسان! لا بأس مرة ثالثة... ما رأيك أن تسمع شهادات الناس مباشرة، ما رأيك لو أن تختلس نظرة حتى على حسابات السوشيال ميديا للعديد من نشطاء حقوق الإنسان في غزة وحول العالم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم لا تلق بنفسك نظرة على حسابات كل من الصحفية الفلسطينية مها حسيني، والناشطة البولندية ماجدلينا بارتوشيك، والناشطين كاتيا بانو ومحمد عمير من الهند، والدكتورة أنستازيا لوبيز من الدنمارك، والسيدة أسماء خليل الكرشف من مصر، والأستاذ خالد صافي من فلسطين، والأستاذة فضيلة موهول من هولندا، والسيد براق ديلباس من تركيا، وجافيرا صابر أخطر من باكستان، وغيرهم مئات... أستطيع أن أظل أعدد لك الأسماء والدول حتى تنهي عشاءك مساء هذا اليوم.

وربما أيضاً يمكنك أن تصدر أمراً يرغم الجهات القائمة على إدارة شبكات التواصل الاجتماعي على رفع الحظر عن عدد كبير من حسابات السوشيال ميديا التي حُجبت كلياً أو جزئياً فقط بسبب نقلها لحقائق الفظائع التي تحدث في غزة على يد قوات الدفاع الإسرائيلي ومن بينها أسماء بارزة مثل السيد شون كينج على سبيل المثال لا الحصر. يمكنك أن تفعل ذلك باعتبار أن ذلك الحجب هو نوعٌ من التواطء في تلك الجرائم وإعاقة للعدالة.

سيدي، نحن لسنا سُذجاً ونفهم جيداً أننا لا نعيش في عالم مثالي، وأنا قادر على أن أفهم جيداً أنه أحياناً قد نرغب بفعل الصواب ولكننا نعجز عن ذلك لسبب أو لآخر... لذا يا سيدي إذا كنت عاجزاً عن اتخاذ قرار بعذر لك لن أطلب منك تبيانه، فإن العرف القانوني استقر على أن من بيده ولاية قانونية ولكنه يعجز أو يستشعر الحرج في موقف يجد فيه نفسه عاجزاً عن التجرد والتمسك بروح القانون وتطبيقه من أجل إحقاق العدالة، فإن العرف القانوني قد استقر منذ القدم أن يقوم من هو في مثل هذا الموقف بالتنحي لاستشعار الحرج.. 

ولذا فإن رسالتي اليوم لك سيدي أنه إذا لم تكن بالفعل متواطئاً في هذه الجريمة البشعة التي تمارسها قوات الدفاع الإسرائيلي في غزة فإنك يجب الآن وفوراً أن تتخذ قراراً بتوجيه الاتهام لبنايمين نتنياهو ويواف جالانت وطلب إحضارهما إلى العدالة، أو أن تتنحى وتستقيل من منصب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية... 

فأضعف الإيمان وأنت رجلٌ مسلم هو الإنكار بالقلب والامتناع عن المشاركة في الجريمة ولو بالإقرار الضمني صمتاً، واستقالتك هي أضعف الإيمان لتبرئة لذمتك أمام الله يوم تُسأل عن أطفال غزة، وسيفهم العالم كله حينها رسالة صمتك بالشكل الصحيح، وسنكون نحن الباحثين عن العدالة لأطفال ونساء غزء فخورين بقرارك هذا...

ARB عمار موسى