إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية
عزيزي السيد/ كريم خان،
صباح الخير يا سيدي، أتمنى أن تكون قد استمتعت بإفطارك هذا الصباح وأنت تتذكر أحلام الليلة الماضية في سريرك الدافئ. للأسف يا سيدي، يؤسفني أن أخبرك أن أكثر من 600 ألف مدني في شمال قطاع غزة، معظمهم من النساء والأطفال، لم يتمتعوا بمثل هذه الرفاهية بتناول وجبة الإفطار هذا الصباح، ولا بالأمس، ولا أول من أمس، ولا في اليوم السابق. وحتى لو رجعت بضعة أسابيع إلى الوراء، فستجد أنه لم يكن لديهم ما يأكلونه سوى علف الحيوانات يقيمون به صلبهم. ومرة أخرى، يؤسفني أن أخبرك أن أكثر من مليوني مدني، ومرة أخرى، معظمهم من النساء والأطفال، لم يتمتعوا برفاهية النوم في سرير دافئ. بل ولم يشعروا حتى بالأمان الكافي ليغمضوا أعينهم ويحصلوا على قسط كاف من النوم في خيمهم المنصوبة في العراء، لأنهم يخشون تعرضهم للقصف في أي لحظة من النهار أو الليل.
حتى لحظة كتابة هذه الرسالة، أكثر من ثلاثين ألف مدني قتلوا، وأصيب أضعافهم بجراح مختلفة في استهداف متعمد للمنازل والمستشفيات والمدارس بل وحتى منشآت المنظمات التابعة للأمم المتحدة في غزة. وتوالت التقارير عن حالات إعدام ميداني للمدنيين بل وسحق بعضهم مكبلين تحت جنازير الدبابات عن سبق إصرار وترصد. أكثر من 100 مدني أعزل جائع تم قتلهم بدم بارد أثناء اصطفافهم للحصول على كيس دقيق أملاً في أن يتناولوا بعض الخبز لأول مرة منذ أكثر من أربعة أشهر ولكن كانت رصاصات الغدر بهم أسرع إلى أحشائهم من رقائق الخبز.
سيدي، لقد تظاهر مئات الآلاف إن لم نقل الملايين حتى الآن في مختلف مدن العالم، وأحرق شخصان أنفسهم حتى الموت أمام المنشآت الدبلوماسية الإسرائيلية احتجاجاً على هذه المأساة الإنسانية المستمرة، مطالبين بالتدخل ووقفها. ووقع أكثر من 6 آلاف شخص في خلال عدة أيام على عريضة الناشطة البولندية في حقوق الإنسان ماجدالينا بارتوشيك الموجهة إليكم والتي تطالبكم باعتقال ومحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت على الفظائع التي ارتكباها حتى الآن في غزة، والتي لولا الرقابة والتضييق الذي تمارسه وسائل التواصل دون وجه حق على كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني لما استغربنا أن يفوق عدد الموقعين عليها المليون، مع كل ذلك الغضب والعجز الذي يشعر به الناس في جميع أنحاء العالم وهم يشاهدون هذه الفظائع التي ترتكبها قوات الدفاع الإسرائيلي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
ومع ذلك، لم تجد كل تلك الصرخات ولم يجد ذلك النداء آذاناً صاغية حتى هذه اللحظة، فما الذي يكفي لدفع المحكمة الجنائية الدولية إلى التحرك إلى الأمام واتخاذ إجراء لوقف هذه الفظائع. فبينما نتحدث الآن يا سيدي، هناك المئات من الأطفال الأبرياء الذين يموت والمزيد والمزيد منهم في كل لحظة، ولم يعد لديهم الوقت الكاف لانتظار الألاعيب السياسية لحكومة إسرائيل وداعميها.
وهنا يأتي السؤال: هل لديك يا سيدي الشجاعة الكافية للتقدم في الوقت المناسب واتخاذ الإجراء الذي يمكن أن يساعد في إنقاذ حياة هؤلاء الأطفال الأبرياء؟ هل لديك الشجاعة للاستماع إلى ضميرك واتخاذ إجراء في أسرع وقت ممكن لوقف المزيد من الفظائع، أم أنك ستنتظر حتى يكملوا جريمتهم حتى النهاية، ويصبح كل شيء من الماضي؟ وفي تلك اللحظة، ستكون محاكمة ليس فقط بسبب الفظائع التي ارتكبوها حتى الآن، ولكن أيضًا بسبب الإبادة الجماعية الكاملة والناجحة. وسيدي، تذكر كلماتي، سيحدث ذلك في وقت ما لأن ضغط أصحاب الضمائر الصادقة في هذا العالم لن يتوقف حتى تتحقق العدالة.
سيدي، في الحالة الأوكرانية، لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لإصدار مذكرة اعتقال للرئيس الروسي بسبب جرائم مزعومة أقل. لقد حان الوقت يا سيدي لتختار كيف تريد أن يحكم عليك التاريخ، ونوع الإرث الذي ستتركه خلفك. لأن صمتكم الآن يصم الآذان، ويرسل رسالة واحدة فقط، وهي أن المحكمة الجنائية الدولية لم تعد معنية بالعدالة، بل أصبحت تتعلق بالسياسة والسياسة فقط، وأنها أصبحت مجرد أداة في يد بعض القوى السياسية الغربية، وأنك (مع فائق الاحترام لشخصكم) لم تعد أكثر من دمية يحركونها وقتما شاؤوا. فهل هذا ما تحاول قوله حقًا يا سيدي بصمتك حتى الآن؟ هل هذه هي الرسالة التي تريدون أن نتلقاها ونتذكركم بها؟
إنني وبالنيابة عن كل هؤلاء الآلاف الذين ملؤوا الشوارع من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، أحثكم على التقدم للأمام، واتخاذ إجراء اليوم، وليس غدًا، لإنقاذ حياة هؤلاء الأطفال الأبرياء.
وقبل أن أختم رسالتي إليك سيدي، دعني أشاركك سرًا، من رجل إلى رجل... إذا لم تفعل ذلك، فإن أشباح وصور هؤلاء الأطفال سوف تطاردك أثناء نومك وأحلامك لبقية حياتك. وبعد سنوات قليلة من الآن، فإن الشيء الوحيد الذي سيتذكره التاريخ عنك هو أنك كنت الرجل الذي كان قادرًا على القيام بشيء لإنقاذ أطفال غزة الأبرياء، لكنه لم يجرؤ على القيام بذلك.
وأخيراً لا أستطيع أن أبعد عن ذهني تساؤلٌ ملح... هل يا ترى ستصلك رسالتي هذه؟ أم أنك قد أغلقت أصلاً تلفازك ووسائل التواصل الاجتماعي حتى تتجنب رؤية كل هذ الفظائع وتغض الطرف عنها كي تستمتع بإفطارك بهدوء...؟