Top Main Menu
Loading...
أن تبدع في أن تكون مبدعًا

الإبداع مخيف كالشيطان، يسبب الآلام في وجوده أو غيابه. يتصرف مثل جني المصباح السحري في حضوره المقدس ويعطيك العالم كله، وعندما يغيب، نستمر في التوسل لحضوره ونستعد لتوقيع الصفقة وبيع أرواحنا لنكون العبيد المخلصين الخاضعين بمجرد  وصول جلالته. ومع ذلك، فهو من أخطر الأسلحة ذات الحدين التي نمتلكها، ويمكن أن يضر في نفس الوقت الذي يمكن فيه أن يكون مفيداً، ولهذا السبب نحتاج إلى إتقانه.

إن إتقان الإبداع لا يتعلق بكيفية زيادة إبداعك إلى الحد الأقصى؛ بل يتعلق الأمر بتلك الأشياء التي لا يقولها أحد عادة عند الحديث عن الإبداع. إنه أن تصبح سيد إبداعك ومن يقوده في الاتجاه الصحيح، ويبقيه سائراً في الطريق الصحيح، وأن تدير الطريقة التي يؤثر بها على حياتك.

إن العبقري الحقيقي والأكثر إبداعًا هو في الواقع ذلك الشخص الذي يفهم أن أكثر الأعمال إبداعًا هي أن تكون مبدعًا فيما يتعلق بالطريقة التي تصبح بها مبدعاً.أن تحل المعادلات العديدة التي تحدد نظام حياتك بشكل إبداعي وإيجاد أفضل الحلول المتاحة التي تحافظ على إبداعك في أفضل مستوياته في حين تسير حياتك بالطريقة الصحيحة داخل منطقة التوازن.
إذا كنت قد حاولت بالفعل الاستسلام لإبداعك وتركه يقود حياتك فأعتقد أنك تعرف بالفعل كم هو مؤلم ذلك الشعور عندما تتلاشى لحظات البريق ويأتي وقت مواجهة الواقع. إن ممارسة الإبداع بإفراط ليس عادة جيدة. بالطبع هناك فوائد ولكن بأي ثمن؟ إن الإفراط في الإبداع يستهلك طاقتنا الذاتية بمعدلات أعلى مما يمكننا تعويضه  حتى نصبح مستنزفين ونشعر بالعجز والضعف والشلل (جسديًا وعاطفيًا). إن هذا صحيحٌ أيضًا بالنسبة للعديد من الجوانب الأخرى في حياتنا مثل الحياة الاجتماعية والقدرات المالية وأحيانًا الجوانب الفكرية أيضًا.

إن الحفاظ على التوازن بين الإنتاج والقدرة على الإنتاج حاجة أساسية للأشخاص الناجحين الفعالين، وممارسة الإبداع بإفراط يحطم هذه القاعدة حتى النخاع. إن صحتك واحتياجاتك الإنسانية الأساسية يجب أن يكون دائمًا لها الأولوية على إبداعك. وفي اللحظة التي تعرف فيها إجابة السؤال الصعب حول كيف يمكنني أن أكون مبدعًا في تحقيق نقطة التوازن في حياتي، فإن هذه هي اللحظة التي تكون فيها الأكثر إبداعًا. إنها عندما تكون مستعدًا للتخلي عن بعض الإبداع غير الضروري من أجل الصالح العام لحياتك.
إن السماح للإبداع بالتحكم في وقتك هو الخطأ الشائع الذي يرتكبه المبدعون عادةً. يجب أن تكون دائمًا الشخص الذي يقرر متى يحين الوقت للإبداع ومتى لا يكون كذلك، وكم من الوقت ستقضيه في الإبداع. إن أحد الأشياء المهمة التي يجب تذكرها عند الدخول في عملية إبداعية هو أن تسأل نفسك عن القيمة الحقيقية لما تفعله، والمقدار الذي يستحقه من حياتك ووقتك. فبمجرد الإعجاب بفكرة والسماح لها بالسيطرة عليك، تصبح مهووسًا بها وتتجاهل كل شيء آخر لمنحها  كامل طاقتك. وبغض النظر عن المقدار الذي تظنها به واعدة، فيجب ألا تسمح أبدًا لفكرة ما أن تتحكم فيك.. لا يهم ما ستكسبه من هذه الفكرة مقارنة بالخسارة والأضرار التي سيحدثها هذا الهوس للجوانب الأخرى من حياتك.

ومع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق فقط بالتوازن في حياتك؛ فكما قلت من قبل، الإبداع ذو حدين، ويمكن أن يكون العدو من نواح كثيرة.
إن هناك جانب مهم لأي فكرة إبداعية لديك، جانب يتجاهله كثير من الناس في هذه الأيام، إنه الجانب الأخلاقي. إن قدراتنا الإبداعية محايدة بين الخير والشر، ويمكن أن تولد أفكارًا لكلا الجانبين؛ ولهذا السبب نحتاج دائمًا إلى تطبيق مرشح الضمير لاختيار ما يجب السماح له بالخروج وما يجب كتمه. إن الرقابة الذاتية مبدأ أساسي وإلزامي حارب ضده أشخاص غير مسؤولين لفترة طويلة، مستخدمين شعار الحفاظ على حرية الإبداع كحق مقدس لا ينبغي تقييده، ولا حتى بضميرنا الشخصي!
ليست كل فكرة إبداعية فكرة إبداعية حقيقية. عندما ألف موتسارت مقطوعاته الموسيقية، كان مبدعًا. وعندما وضع أينشتاين النظرية النسبية، كان مبدعًا. ولكن أيضًا، عندما استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة النووية في اليابان، كانت مبدعة؛ وعندما أخرج الشيطان آدم وحواء من السماء، كان أيضًا مبدعًا.

إن للإبداع معنيان: أحدهما ضحل، وهو محايد بين الخير والشر، ويرتبط بكونه جديدًا واستثنائيًا ومربحًا. والآخر عميق يتضمن أيضًا حساباً للجانب الأخلاقي للفكرة.

باستخدام المعنى الأول، يمكنك القول إن صانعي الأفلام الإباحية ومصنعي أسلحة الدمار الشامل مبدعون؛ ولكن عندما نقيس إبداعهم على مقياس المعنى العميق، حيث تكون الأخلاق من العوامل الأساسية للتقييم، فإن إبداعهم في الواقع محكوم عليه بالرسوب.
إن الحقيقة المحزنة هنا هي أنه في عالم اليوم، أصبح الإبداع تقريبًا خاضعًا لرغبات أصحاب رأس المال ومصالحهم. إن نموذج الإبداع الذي يتم دعمه اجتماعياً وسياسياً ومالياً في الوقت الحاضر هو ذلك النموذج الذي يدعم فقط كل ما يحقق أعلى عوائد مالية بغض النظر عن الجودة أو الأخلاق، أو ذلك الذي يدعم كل ما يخدم أجندة الجماعات السياسية بطريقة أو بأخرى. ولذلك عندما تريد التفكير في فكرتك الإبداعية بشكل أخلاقي، يجب ألا تستخدم مقياس ما يفكر فيه الناس (أو المجتمع) بشأنها، يجب أن تحكم من خلال صوت ضميرك الداخلي.

عندما تتمكن من فعل كل ذلك وتخرج في النهاية بشيء إبداعي وأخلاقي حقًا دون أن تحرق نفسك وتدمر حياتك، في تلك اللحظة فقط تصبح مبدعًا في أن تكون مبدعًا.

ARB عمار موسى